في عصرنا الرقمي، أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لمختلف الفئات العمرية في مجتمعنا، فقد أحدث ثورة في طريقة تواصلنا، وتعلمنا، وعملنا، وحتى في كيفية قضاء أوقات فراغنا. ومع ذلك، فإن استخدامه المتزايد والمستمر قد ألقى بظلاله على الصحة النفسية، فبينما يسهم في تسهيل التواصل وتقريب المسافات، فإنه قد يكون أيضًا مصدرًا للتوتر، والقلق، والعزلة الاجتماعية، خاصة مع ظهور ظواهر مثل الإدمان الرقمي والتنمر الإلكتروني. وعلى الرغم من أن دراسات عديدة ربطت بين استخدام الإنترنت وبعض المشكلات النفسية، خصوصًا بين الشباب، كشفت دراسة حديثة عن علاقة مثيرة للاهتمام بين استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن. فما هي التفاصيل؟
استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن.. فرصة للتواصل وتعزيز السعادة
في عام 2019، أشارت الإحصائيات إلى أن حوالي 14% من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا أو أكثر حول العالم يعانون من مشكلات نفسية، بما في ذلك الاكتئاب. وعلى الرغم من وجود دراسات سابقة تُظهر أن استخدام الإنترنت مرتبط بتدهور الصحة النفسية، خاصة لدى الفئات العمرية الأصغر سنًا، فهو مصدر مهم للحصول على المعلومات الصحية، وكذلك أداة فعالة للتواصل الاجتماعي، وهما عاملان مهمان لرفاهية البالغين في منتصف العمر وكبار السن.
ومع ذلك، كانت العلاقة بين استخدام الإنترنت ورفاهية هذه الفئة العمرية في جميع أنحاء العالم غير واضحة تمامًا. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة إيجابية بين استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن، وأظهرت أن استخدام الإنترنت يمكن أن يعزز شعورهم بالسعادة ويحسن صحتهم النفسية ويقلل من أعراض الاكتئاب لديهم.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج قد تكون لها تأثيرات محتملة مهمة على سياسات وممارسات الصحة العامة، لا سيما في البلدان التي تشهد ارتفاعًا في أعداد كبار السن ولديها قدرة محدودة في خدمات الصحة النفسية. نُشرت هذه الدراسة في مجلة طبيعة السلوك البشري (Nature Human Behaviour) في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن.. أداة لتعزيز الرفاهية وتقليل الاكتئاب
لدراسة العلاقة بين استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن قام الباحثون بتحليل بيانات 87559 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 50 عامًا وما فوق من 23 دولة من مختلف لأنحاء العالم، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والصين والمكسيك والبرازيل، وبلغ متوسط فترة متابعة المشاركين في الدراسة 6 سنوات.
وأظهرت النتائج أن استخدام الإنترنت، الذي يشمل إرسال أو استقبال رسائل البريد الإلكتروني، وإجراء عمليات الشراء وحجوزات السفر، والبحث عن المعلومات كما عرَّفته الدراسة، مرتبط بتحسن ملحوظ في مستوى الرضا عن الحياة، وتقليل أعراض الاكتئاب، وتعزيز شعور السعادة والرفاهية، وتحسن الحالة الصحية لدى المشاركين.
كما وجد الباحثون أن المشاركين الذين يستخدمون الإنترنت في الولايات المتحدة وإنجلترا والصين كانت لديهم أعراض أقل من الاكتئاب مقارنة بالأشخاص الذين لا يستخدمون الإنترنت. ومع ذلك، لم تظهر النتائج ارتباطًا وثيقًا بين وتيرة أو مدى تكرار استخدام الإنترنت وزيادة مخاطر تدهور الصحة النفسية عبر الدول المختلفة التي شملتها الدراسة.
ضرورة إجراء المزيد من الدراسات حول استخدام الإنترنت والصحة النفسية لدى كبار السن
أوضح الباحثون أن استخدام الإنترنت قد يعزز الروابط الاجتماعية ويخفف من الشعور بالوحدة لدى البالغين الذين تبلغ أعمارهم 50 عامًا فأكثر، وهما من أبرز المشكلات الصحية العامة التي تواجه هذه الفئة العمرية، كما يمكن للإنترنت أن يوفر لهم وسيلة للوصول إلى المعلومات والخدمات التي تقدم الدعم العاطفي والنصائح الطبية. ومع ذلك، أشار الباحثون إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كانت هناك علاقة سببية بين استخدام الإنترنت والرفاهية لدى هؤلاء البالغين، وكذلك إلى أهمية دراسة تأثير العوامل المؤثرة مثل العمر والجنس وتكرار استخدام الإنترنت.