الآلام العصبية هي من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم. تساعد أدوية الأعصاب بشكل كبير في تخفيف الآلام العصبية، ولكنها تحمل بعض التأثيرات الجانبية التي قد تكون خطيرة في بعض الحالات. وفي هذا السياق، كشفت دراسة أسترالية عن وجود علاقة بين أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك وأظهرت أن بعضها يرتبط بزيادة هذه المخاطر، خاصة لدى كبار السن الذين يعانون من الهشاشة أو أمراض الكلى. نُشرت الدراسة في مجلة جاما الطبية (JAMA Network Open) في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك بين الفوائد والمخاطر
تُستخدم أدوية الجابابنتينويدات (Gabapentinoids) بشكل واسع لعلاج الآلام العصبية، وغالبًا ما تُعتبر بديلًا أكثر أمانًا من الأفيونيات (Opioids) في علاج الألم العصبي. زاد استخدام هذه الأدوية في أستراليا بمعدل 8 أضعاف بين عامي 2012 و2018، إذ تم وصفها لواحد من كل 7 أشخاص يبلغون من العمر 80 عامًا فأكثر خلال هذه الفترة، وهي الآن من بين أكثر 10 أدوية مدعومة في أستراليا. وعلى الرغم من فعاليتها في تخفيف الألم العصبي، يُحذر الباحثون من آثارها الجانبية المحتملة، مثل الدوار واضطرابات المشي وفقدان التوازن، مما قد يعزز خطر السقوط والإصابات.
وأوضح الباحثون أن الجابابنتينويدات تعبر الحاجز الدموي الدماغي بفعالية وتقوم بتثبيط إطلاق الناقلات العصبية عبر عدة مسارات، مما يفسر فعاليتها في علاج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي مثل نوبات الصرع والآلام العصبية. كما يوضح سبب ظهور آثار جانبية عصبية مثل النعاس والدوار واضطرابات المشي والتوازن، التي قد تزيد من خطر السقوط والكسور لدى كبار السن.
دراسة تكشف العلاقة بين أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك
أجرى باحثون من جامعة موناش الأسترالية دراسة لاكتشاف العلاقة بين بعض أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك. شملت الدراسة تحليل بيانات 28293 شخصًا من ولاية فيكتوريا في أستراليا تبلغ أعمارهم 50 عامًا أو أكثر، وكانوا قد دخلوا المستشفى بين آذار/مارس 2013 وحزيران/يونيو 2018 بسبب إصابتهم بكسر في الورك. كان أكثر من نصف المشاركين يبلغون سن 80 عامًا أو أكثر، وكانت غالبيتهم من النساء (71%).
وكان من بينهم 2644 شخصًا يتناولون أدوية الجابابنتينويدات قبل تعرضهم للإصابة بكسر الورك ودخولهم المستشفى، وكشفت النتائج أن هذه الأدوية كانت مرتبطة بزيادة مخاطر الإصابة بكسر الورك، خاصة لدى كبار السن الذين يعانون من الهشاشة أو أمراض الكلى. وأظهرت أن هؤلاء المرضى كان لديهم خطر أعلى بنسبة 30% للإصابة بكسر في الورك خلال شهرين من صرف أحد أدوية الجابابنتينويدات.
أوضح البروفيسور سيمون بيل، مدير مركز استخدام الأدوية وسلامتها بجامعة موناش والمؤلف المشارك في الدراسة، أن العلاقة بين الجابابنتينويدات وكسور الورك كانت واضحة عبر الفئات العمرية المختلفة، ولكن كانت المخاطر أعلى لدى المرضى الذين يعانون من الهشاشة أو أمراض الكلى المزمنة. وشدد البروفيسور بيل على أهمية مراعاة هذه العوامل المهمة عند وصف هذه الأدوية، ومع ذلك، حذر من التوقف عن تناول هذه الأدوية دون استشارة الأطباء أو الصيادلة.
أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك.. الاستخدامات الشائعة وآثارها الجانبية
الجابابنتين (النيورونتين) والبريجابالين (ليريكا) هما من أدوية الجابابنتينويدات الأكثر شيوعًا، وعلى الرغم من أن دواعي استعمالهما محدودة، لكنهما يوصفان بشكل واسع خارج الإطار المحدد لعلاج العديد من المشكلات، بما في ذلك الألم المزمن.
الجابابنتين (Gabapentin) هو دواء معتمد لعلاج نوبات الصرع والآلام العصبية المرتبطة بالهربس النطاقي (الحزام الناري)، والجابابنتين إيناكاربيل (Gabapentin Enacarbil) هو دواء معتمد لعلاج آلام القدمين عند السكريين وعلاج متلازمة تململ الساقين، وهي اضطراب في الجهاز العصبي يسبب رغبة شديدة في تحريك القدمين.
وأما والبريجابالين (Pregabalin)، فهو دواء معتمد لعلاج الألم العضلي الليفي (الفيبروميالجيا) وآلام الأعصاب الناتجة عن اعتلال الأعصاب المحيطية بسبب السكري أو إصابات النخاع الشوكي، بالإضافة إلى علاج نوبات الصرع والألم العصبي ما بعد الهربس.
وتشمل الآثار الجانبية الشائعة لكلا الدواءين:
- الشعور بالنعاس والخمول.
- الدوار.
- ضبابية الرؤية أو ازدواجها.
- صعوبة في التنسيق والتوازن.
- صعوبة في التركيز.
أدوية الأعصاب ومخاطر كسر الورك.. ما هي أهمية الدراسة؟
أشارت الدكتورة ميريام ليونغ، المؤلفة الرئيسية للدراسة من جامعة موناش، إلى أن الدراسة تُظهر أهمية الانتباه عند وصف أدوية الجابابنتينويدات، خاصة للأشخاص المعرَّضين لخطر السقوط والكسور. وأضافت: "تؤكد نتائج دراستنا على ضرورة تقييم المخاطر الفردية لكل مريض قبل وصف هذا النوع من الأدوية". ودعا الباحثون إلى إجراء المزيد من الأبحاث لدراسة تأثير الجرعات المختلفة من الجابابنتينويدات وتأثير الدرجات المختلفة من القصور الكلوي على مخاطر كسر الورك.
إضافة إلى الدراسات السابقة حول الأدوية المضادة للتشنجات وكسور الهشاشة، حددت هذه الدراسة الخطر المرتبط بأدوية الجابابنتينويدات، وهو أمر بالغ الأهمية، لأن كسور الهشاشة تختلف بشكل كبير عن كسور الورك من حيث العلاج والتشخيص، كما أن كسور الورك تشكل العبء الأكبر من معدلات الإصابة والوفيات الناتجة عنه.
وفي الوقت نفسه، أشار الباحثون إلى أن الدراسة تحتوي على بعض القيود، منها الاعتماد على بيانات صرف الأدوية دون التأكد من استخدامها الفعلي. كما أوضحوا أنه على الرغم من أن معظم الآثار الجانبية المرتبطة بالسقوط، مثل الدوار أو النعاس، تم الإبلاغ عنها بعد استخدام أدوية الجابابنتينويدات بفترة قصيرة، فإن لهذه الأدوية أيضًا آثارًا جانبية طويلة المدى على صحة العظام نتيجة تأثيرها على توازن الكالسيوم. ولذلك، قد تكون هذه النتائج أقل من الواقع فيما يتعلق بالتأثير الحقيقي لهذه الأدوية على خطر كسر الورك.