ما تزال الأفيونات أو المسكنات الأفيونية توصف لعلاج الألم الشديد الحاد بعد العمليات الجراحية، بما في ذلك عمليات الأسنان مثل خلع ضرس العقل. ومع ذلك، قد يؤدي الإفراط في استهلاك هذه الأدوية أو استخدامها لأغراض أخرى غير طبية إلى الإدمان أو الوفاة. وفي ظل تزايد الاهتمام بالبحث عن بدائل للأدوية الأفيونية لتجنب مخاطرها المحتملة، كشفت دراسة أمريكية حديثة أن الأدوية غير الأفيونية أفضل من الأفيونية في تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان. نُشرت الدراسة في مجلة الجمعية الأمريكية لطب الأسنان (The Journal of the American Dental Association) في شباط/فبراير 2025.
المسكنات غير الأفيونية تتفوَّق على الأفيونات في تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان
كشفت دراسة حديثة، أجراها باحثون من كلية طب الأسنان في جامعة روتجرز في نيوجيرسي بالولايات المتحدة، أن تناول مزيج من الأسيتامينوفين (تايلينول) والإيبوبروفين (أدفيل أو موترين) بعد خلع ضرس العقل، أفضل من تناول الأدوية الأفيونية في تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين تناولوا مزيج الإيبوبروفين (Ibuprofen) والأسيتامينوفين (Acetaminophen) تمتعوا بجودة نوم أفضل، وشعروا بألم أقل ورضا أكبر عن العلاج مقارنةً بالأشخاص الذين تناولوا المادة الأفيونية الهيدروكودون (Hydrocodone) مع الأسيتامينوفين.
أشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة قد تُحدث فَرقًا في الطريقة التي يُعالِج بها أطباء الأسنان الألم بعد العمليات الجراحية. ومن جانبها، أكدت الدكتورة سيسيل فيلدمان، عميدة كلية طب الأسنان في جامعة روتجرز والباحثة الرئيسية، على أهمية الدراسة، فنتائجها تجاوزت توقعاتهم.
تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان.. الأفيونات بين الضرورة والمخاطر
أطباء الأسنان هم أكثر الأطباء الذين يصفون الأدوية الأفيونية لمرضاهم في الولايات المتحدة، وتشير التقديرات إلى أنهم وصفوا أكثر من 8.9 مليون وصفة طبية لهذه الأدوية في عام 2022. أشار الباحثون إلى أن العمليات الجراحية للأسنان، مثل خلع ضرس العقل، تكون أول تجربة لكثير من الشباب مع الأدوية الأفيونية.
وأوضحت الدكتورة جنين فريدريكس يونجر، الباحثة المشاركة في الدراسة، وجود العديد من الدراسات التي تشير إلى أن تعرّض الشباب للمواد الأفيونية لأول مرة يزيد من احتمال استخدامهم لها لاحقًا، وقد يؤدي ذلك إلى الإدمان. وأضافت أن الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية تودي بحياة أكثر من 80 ألف أمريكي كل عام.
كيف يمكن تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان بأدوية أكثر أمانًا من الأفيونات؟
لمقارنة فعالية تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان بين الأدوية الأفيونية والأدوية غير الأفيونية، أجرى الباحثون دراسة عشوائية شملت أكثر من 1800 مريض خضعوا لعملية جراحية لخلع ضرس العقل المحشور أو المدفون، وهي عملية جراحية شائعة تسبب عادةً ألمًا يتراوح بين المتوسط إلى الشديد.
تناول نصف المرضى الهيدروكودون مع الأسيتامينوفين، بينما تناول النصف الآخر مزيجًا من الأسيتامينوفين والإيبوبروفين، ثم قام جميعهم بتقييم مستويات الألم وغيرها من النتائج، بما في ذلك جودة النوم، خلال الأسبوع التالي للجراحة.
وأظهرت النتائج أن التركيبة غير الأفيونية، أي مزيج الإيبوبروفين والأسيتامينوفين، قد خفف الألم بشكل كبير خلال فترة ذروة الألم (عندما يكون الألم في أقوى درجاته) في أول يومين بعد العملية. وأبلغ المرضى الذين تناولوا هذا المزيج أنهم ناموا بشكل أفضل في الليلة الأولى وعانوا من تأثيرات أقل على أنشطتهم اليومية خلال فترة التعافي.
كما كان هؤلاء المرضى الذين تناولوا هذه التركيبة التي لا تحتاج إلى وصفة طبية أقل عرضةً بمقدار النصف للاحتياج إلى أدوية مسكنة إضافية مقارنةً بالمرضى الذين تناولوا الأدوية الأفيونية، وكذلك شعروا برضا أكبر عن العلاج.
تخفيف الألم بعد جراحة الأسنان بالمسكنات غير الأفيونية
أكدت الدكتورة فيلدمان أنه لا ينبغي وصف الأدوية الأفيونية بشكل روتيني، وأن وصف أطباء الأسنان المزيج غير الأفيوني سيحقق فوائد أكبر للمرضى. وهذه النتائج تتوافق مع التوصيات الحديثة الصادرة عن الجمعية الأمريكية لطب الأسنان (American Dental Association) التي تدعو إلى تجنب الأدوية الأفيونية كخيار أول لتخفيف الألم.
تأمل الدكتورة فيلدمان أن تؤدي هذه الدراسة إلى تعديل أساليب وصف أدوية الألم وتقليل الاعتماد على الأدوية الأفيونية، وأضافت: "لطالما قلنا إننا لسنا بحاجة لوصف الأدوية الأفيونية بشكل روتيني، ونتائج هذه الدراسة تُثبت أنه لا حاجة إلى وصف هذه الأدوية إلا في حالات استثنائية، مثل وجود ظروف صحية تمنع من تناول الإيبوبروفين أو الأسيتامينوفين".
كما يأمل الباحثون توسيع نطاق دراساتهم لتشمل جراحات الأسنان الأخرى ومجموعة متنوعة من حالات الألم المختلفة، ويُجري باحثون آخرون من الجامعة دراسة حول استخدام القنب الطبي لضبط آلام الأسنان. وخلَصت الدكتورة فيلدمان إلى أن هذه الدراسات تساعدهم على تحسين الرعاية الصحية الحالية للأسنان، وكذلك على تحسين تدريب أطباء الأسنان المستقبليين في الجامعة، إذ يقومون باستمرار بتحديث مناهجهم وفقًا لأحدث الاكتشافات العلمية.