تلوث الهواء هو من أكبر المشكلات والتحديات البيئية التي تهدد صحة الإنسان، فهو ليس مجرد مشكلة بيئية، بل هو تهديد صحي يؤثر على الجميع، من الأطفال إلى كبار السن. والهواء الذي نتنفسه يوميًا الذي يُفترض أن يكون مصدرًا للحياة، قد يكون أحيانًا سببًا في تدهور صحتنا. يرتبط تلوث الهواء بزيادة معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وحتى بعض أنواع السرطان. كما أن تأثيراته لا تقتصر على الصحة البدنية وحسب، بل أيضًا على الصحة النفسية وجودة الحياة بشكل عام. وفي ظل تزايد القلق العالمي بشأن تأثير التلوث البيئي على صحة الإنسان، كشف دراسة علمية حديثة عن وجود علاقة مقلقة بين تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق.
دراسة حديثة تربط بين تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق
كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة مقلقة بين تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق أظهرت أن ارتفاع مستويات الجسيمات الدقيقة الملوثة مرتبط بزيادة حالات الإصابة بالسرطان في الجهاز التنفسي والجزء العلوي من الجهاز الهضمي. اعتمدت الدراسة على بيانات تم جمعها في الفترة بين عامي 2002 و2012 من قاعدة بيانات برنامج المراقبة والوبائيات والنتائج النهائية (SEER)، وهو برنامج وطني لسجلات السرطان في الولايات المتحدة.
أجريت هذه الدراسة، التي حملت عنوان "التعرض لتلوث الهواء ومعدلات الإصابة بسرطان الرأس والعنق"، بالتعاون بين عدة مؤسسات أكاديمية بمشاركة باحثين من جامعة ولاية وين، وجامعة جونز هوبكنز، ومستشفى ماس جنرال بريغهام، ونُشرت نتائجها في مجلة التقارير العلمية (Scientific Reports) في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق.. دور التلوث في زيادة خطر الإصابة بالسرطان
صرّح الدكتور جون كرامر، الباحث الرئيسي للدراسة من جامعة ولاية وين، أنه على الرغم من وجود دراسات سابقة حول تلوث الهواء، فإن معظمها يُظهر أنه يرتبط غالبًا بالسرطانات التي تُصيب الجهاز التنفسي السفلي. وأوضح أن إثبات العلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق أمر صعب، وذلك لأنه أقل شيوعًا من سرطانات الرئة، ولكن كان من المهم التحقق من وجود أي علاقة محتملة بينهما نظرًا لأن سرطان الرأس والعنق يمكن أن يحدث أيضًا نتيجة التدخين كما هو الحال مع سرطان الرئة.
وأضاف قائلًا: "من المحتمل أن تكون العلاقة بين تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق ناتجة عن استنشاق المواد والملوثات التي تؤثر على بطانة الأنسجة في الرأس والعنق، ففي العديد من حالات السرطان نرى أن المواد المسرطنة تتركز أو تتجمع في مناطق معينة بالجسم التي تظهر فيها الأورام".
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة ستيلا لي، المؤلفة الرئيسية للدراسة من مستشفى بريغهام والنساء، أنه على الرغم من وجود دراسات كبيرة تبحث في تأثير الملوثات الهوائية على الإصابة بأمراض الرئة، فإن الدراسات التي تناولت التعرض لتلوث الهواء كعامل خطر للإصابة بسرطانات الجهاز التنفسي العلوي، بما في ذلك سرطان الرأس والعنق، كانت قليلة.
كما أشارت إلى أن نتائج هذه الدراسة تسلط الضوء على الدور الكبير الذي يؤديه التلوث البيئي في زيادة خطر الإصابة بالسرطان في الجهاز التنفسي والجزء العلوي من الجهاز الهضمي، مما يبرز الحاجة إلى زيادة الوعي بشأن هذا الأمر وإجراء المزيد من الدراسات والجهود للتخفيف من مخاطره.
الجسيمات الدقيقة الملوثة وسرطان الرأس والعنق
كما أظهرت النتائج أن العلاقة الأقوى بين التعرض لهذا النوع من التلوث والإصابة بسرطان الرأس والعنق لم تكن فورية، بل ظهرت بعد مرور 5 سنوات من هذا التعرض. ركز الباحثون في دراستهم على الجسيمات الدقيقة PM2.5 التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون، وعلى تأثيرها على الإصابة بسرطان الرأس والعنق.
وأوضح الدكتور كرامر: "نحن نركز على حجم معين من الجسيمات الملوثة في الهواء، فحجم هذه الجسيمات مهم لأن النموذج التقليدي لدراسة مجرى الهواء العلوي يشير إلى أن الأنف والحلق يعملان كمرشحات (منقيات) للجسيمات قبل وصولها إلى الرئتين. وبينما تتم تصفية الجسيمات الأكبر حجمًا، نعتقد أن أنواعًا مختلفة من الملوثات تؤثر على أجزاء مختلفة من الجهاز التنفسي العلوي".
تلوث الهواء وسرطان الرأس والعنق.. خطر بيئي يستدعي الانتباه
يسعى الدكتور كرامر إلى توسيع نطاق أبحاثه لتشمل مجموعات بيانات أخرى، ويأمل أن تساهم نتائج هذه الدراسة في توجيه السياسات الصحية وتحسين استراتيجيات العلاج في المستقبل. ومن جانبها، قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، الدكتورة أماندا ديلجر، من مستشفى ماس جنرال بريغهام في أمريكا: "الصحة البيئية والصحة الشخصية مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا، وتسلط دراستنا الضوء على ضرورة تحسين معايير جودة الهواء من أجل تقليل خطر الإصابة بالسرطان، بما في ذلك سرطان الرأس والعنق".