يشتهر حليب الأم بقيمته الغذائية العالية وفوائده الصحية المهمة للرضَّع، ولكن بعض الأمهات يعتقدنَ أن لحليبهنَّ فوائد مذهلة في علاج مشكلات العين أيضًا. ومؤخرًا، جاء العلم ليؤكد هذا الاعتقاد الشعبي، إذ كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة أن حليب الثدي يسرّع شفاء جروح قرنية العين من خلال تعزيز عملية تجدُّد الخلايا، ممّا يفتح آفاقًا جديدة وواعدة لاستخدامه في علاج أمراض العيون.
من الموروث الشعبي إلى الطب الحديث.. هل حليب الثدي يسرع شفاء جروح قرنية العين ؟
قبل عدَّة سنوات، أخبرتْ والدة أحد الأطفال المرضى الدكتورة إميلي مكورت، أستاذة طب العيون في كلية الطب بجامعة كولورادو ورئيسة قسم طب عيون الأطفال في مستشفى الأطفال في كولورادو، أنها لم تستخدم المرهم الطبي الموصوف لعلاج الحرق الكيميائي في قرنية طفلها، وإنما استخدمت حليب ثديها بدلاً منه. وما أثار فضول الدكتورة ماكورت هو تحسن حالة عين الطفل، فتذكرت حينها جميع الأمهات اللاتي أخبرنها أنهنَّ استخدمنَ حليب ثديهنَّ في عيون أطفالهن لعلاج انسداد القنوات الدمعية أو الطفح الجلدي، مما دفعها إلى البحث في الفوائد المحتملة لحليب الأم في معالجة إصابات العين.
وبالتعاون مع الدكتور مارك بيتراش، الأستاذ الفخري في طب العيون الذي قضى حياته المهنية في دراسة علاجات أمراض العيون، أجرى فريق من الباحثين والطلاب من جامعة كولورادو الأمريكية دراسة على نماذج حيوانية تعاني من جروح في القرنية، ووجدوا أن استخدام حليب الأم على القرنيات المصابة ساعد فعلاً في تسريع إعادة تكوين الطبقة الخارجية من القرنية، وهي جزء من عملية التئام جروح العين، مقارنة باستخدام المحلول الملحي والدواء الموصوف.
حليب الثدي يسرع شفاء جروح قرنية العين ويدعم تجدُّد الخلايا
قال الدكتور بيتراش: "اكتشفنا في عام 2016 أن حليب الثدي البشري يسرع شفاء قرنية العين ولكننا لم نكن نعرف السبب وراء ذلك. لذلك، تعمَّقنا في دراستنا الأخيرة وطرحنا تساؤلات من قبيل: ما العلامات الخلَوية التي قد تشير إلى أن حليب الثدي يعزز قدرة قرنية العين على إصلاح نفسها بعد تعرُّض سطحها للإصابة". وفي إطار هذه الدراسة، قاس الباحثون مستويات البروتين Ki67 الموجود في الخلايا التي تنقسم بنشاط ويُشير إلى تكاثر الخلايا، ووجدوا مستويات عالية من هذا البروتين في العيون المصابة التي تم علاجها بحليب الثدي.
الشفاء السريع ضروري جدًا في مثل هذه الإصابات لتجنُّب إصابة العين بعدوى قد تسبب لها المزيد من الضرر، وأشار الدكتور بيتراش إلى أنه كلما شُفي الجرح بسرعة، كان ذلك أفضل. ويبدو أن حليب الأم يُسرِّع هذه العملية. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يحددوا بعد المكونات الموجودة في حليب الثدي التي قد تسرع شفاء جروح قرنية العين، تعتقد الدكتورة ماكورت أنه من الممكن أن يكون لحليب الثدي خصائص مماثلة للدموع المصلية، وهي قطرة عين مصنوعة من مصل دم المريض. ويحتوي هذا المصل على مكونات مشابهة لتلك الموجودة في الدموع الطبيعية، مثل البروتينات وعوامل النمو، مما يجعله علاجًا فعالًا لبعض المرضى الذين يعانون من جفاف العين الشديد وأمراض العيون الالتهابية.
حليب الثدي يسرع شفاء جروح قرنية العين.. نحو تطوير علاجات جديدة لأمراض العيون
أكد الباحثون أن هذه النتائج الواعدة تفتح آفاقًا جديدة لطرح المزيد من الأسئلة حول تأثير حليب الثدي على قرنية العين، كما تُضفي بعض المصداقية على الحكايات الشعبية التي تناقلتها الأجيال لآلاف السنين. يعتبر حليب الثدي مصدرًا للشفاء في مختلف الثقافات، ففي العصور القديمة، كان المصريون القدماء يطلقون عليه اسم "رحيق الآلهة"، كما استخدمه اليونانيون والرومان لأغراض علاجية، ووثَّقت قصص من إنجلترا في القرن الثامن عشر استخدام حليب الثدي لإنقاذ الأرواح.
وأوضح الدكتور بيتراش أن ما توصلوا إليه ما هو إلا مجرد البداية، فحليب الثدي معقَّد للغاية، فهو يحتوي على سكريات وكربوهيدرات ولاكتوز، بالإضافة إلى العديد من البروتينات التي تحتوي على عوامل نمو بشرية وأنواع مختلفة من الخصائص البيولوجية، ممّا يجعله مكونًا واعدًا للاستخدام الطبي. ورغم أهمية هذه النتائج، أكدت الدكتورة ماكورت على ضرورة استشارة الأطباء عند تعرض الأطفال لإصابة في العين، ولكنها تأمل أن تسهم هذه الدراسة في توفير خيارات علاجية جديدة تعتمد على حليب الأم. وختَمت بقولها: "هذه الدراسة تدعم ما عرفته النساء منذ زمن طويل، وهو أن حليب الثدي له خصائص علاجية محتملة قد تكون مفيدة بطرق مختلفة، ونحن نقترب من فهم السبب العلمي وراء ذلك".