تلوث الهواء هو من أخطر التحديات البيئية التي تؤثر على الصحة العامة، ولا يقتصر تأثيره على الجهاز التنفسي فحسب، بل يتجاوز ضرره ليطال أعضاء حيوية أخرى مثل القلب والأوعية الدموية. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين من جامعات أمريكية عدة أن تلوث الهواء قد يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم في الأوردة العميقة، وهي حالة طبية خطيرة قد تؤدي، في حال لم يتم معالجتها، إلى إعاقة جريان الدم في الساقين، وقد تسبب مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة. نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة الدم (Blood) الطبية الصادرة عن الجمعية الأمريكية لأمراض الدم (ASH) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2024.
الجلطات الدموية الوريدية تؤثر على مئات الآلاف سنويًا
تُعرف الجلطات الدموية في الأوردة العميقة طبيًا باسم الجلطات الدموية الوريدية أو الانصمام الخثاري الوريدي (Venous Thromboembolism)، وهي حالة تصيب ما يصل إلى 900000 شخص سنويًا في الولايات المتحدة. العمليات الجراحية هي أحد الأسباب الشائعة لحدوثها، ومع ذلك، هناك عوامل أخرى يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بها، بما في ذلك التقدم في العمر، والجلوس أو عدم التحرك لفترات طويلة، وأمراض القلب، والحمل، والاستعداد الوراثي.
وتشمل هذه الحالة نوعين من الانصمام الوريدي، وهي:
- تخثُّر الأوردة العميقة أو الانصمام الخثاري الوريدي العميق (Deep Vein Thrombosis - DVT) الذي يحدث عندما تتكون جلطة دموية في الأوردة العميقة للساقين أو الحوض أو الذراعين أو أحد أعضاء الجسم الداخلية.
- الانصمام الرئوي (Pulmonary Embolism - PE) الذي يحدث عندما تنفصل خثرة الدم من أحد الأوردة العميقة وتنتقل في مجرى الدم لتستقر في إحدى الرئتين، ما يؤدي إلى انسداد أحد الأوعية الدموية الرئوية، وهذه حالة قد تسبب صدمة شديدة تستدعي علاجاً إسعافياً.
دراسة تكشف أن تلوث الهواء قد يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم في الأوردة العميقة
شملت الدراسة بيانات 6651 شخصًا بالغًا في الولايات المتحدة تمت متابعتهم على مدى 17 عامًا في الفترة بين عامي 2000 و2018. كان المشاركون يعيشون في واحدة من 6 مدن حضرية رئيسية في الولايات المتحدة أو بالقرب منها، وهي: نيويورك في ولاية نيويورك، وبالتيمور في ولاية ميريلاند، وشيكاغو في ولاية إلينوي، ولوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، ومينيابوليس في ولاية مينيسوتا، ووينستون سالم في ولاية كارولاينا الشمالية.
اعتمد الباحثون على بيانات مراقبة دقيقة لمستويات تلوث الهواء في المناطق التي يعيش فيها المشاركون، وقاموا بتحليل العلاقة بين حالات دخول المستشفى بسبب الجلطات الدموية الوريدية ومستويات تلوث الهواء، ثم قارنوا بيانات المشاركين الذين تعرضوا لأعلى مستويات تلوث الهواء (75%) بالمشاركين الذين تعرضوا لأدنى مستويات تلوث الهواء (25%).
لضمان دقة النتائج، أخذ الباحثون في الاعتبار عوامل قد تؤثر على النتائج، مثل العمر، والتدخين، والحالات المرَضية المزمنة. وخلال فترة الدراسة، أصيب 248 شخصًا، أي ما يعادل 3.7% من المشاركين، بجلطات دموية وريدية تطلبت رعاية في المستشفى. وأظهرت النتائج أن زيادة تلوث الهواء قد يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم في الأوردة العميقة بنسبة تتراوح من 39% إلى أكثر من الضعفين.
تلوث الهواء قد يزيد من خطر الإصابة بجلطات الدم.. كيف تؤثر الملوثات الهوائية على الأوردة العميقة؟
التعرض لتلوث الهواء هو عامل معروف يمكن أن يسبب التهابات في الجسم ويساهم في تكوين الخثرات الدموية، وقد ارتبط منذ فترة طويلة بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي. ورغم أن هناك دراسات سابقة تشير إلى وجود علاقة بين تلوث الهواء والإصابة بالجلطات الدموية الوريدية، فإن هذه الدراسة الجديدة هي الأكبر والأوسع التي تظهر علاقة هذه الحالة بثلاثة أنواع مختلفة من ملوثات الهواء.
من هذه الملوثات، الجزيئات الدقيقة (PM2.5) التي لا يتجاوز حجمها 2.5 ميكرومتر، والتي يمكن استنشاقها من مصادر متنوعة مثل الدخان الناتج عن محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، وحرائق الغابات، وعوادم السيارات. وأظهرت النتائج أن التعرض لمستويات عالية من هذه الجزيئات الدقيقة كان مرتبطًا بزيادة احتمال الإصابة بالجلطات الدموية الوريدية بنسبة 39%، وأن زيادة التعرض لأكسيد النيتروجين (NO) وثاني أكسيد النيتروجين (NO2)، وهما ملوثان ينبعثان غالبًا من عوادم السيارات، كانا مرتبطين بزيادة هذا الاحتمال بنسبة تتراوح بين 121% و174%.