في خطوة واعدة نحو تطوير لقاح ضد سرطان الكلى كشفت دراسة سريرية جديدة عن نتائج مشجعة لاختبار لقاح مصمم لتحفيز جهاز المناعة على محاربة الخلايا السرطانية. شارك في الدراسة تسعة مرضى مصابون بسرطان الكلى في مراحله المتقدمة، وقد أظهر اللقاح استجابة مناعية قوية لديهم، مما يبشر بإمكانية استخدامه كعلاج فعال للمرضى المعرّضين لخطر الانتكاس بعد الجراحة.
نتائج واعدة في تجربة سريرية مبكرة
أجريت الدراسة بقيادة باحثين من معهد دانا فاربر للسرطان (Dana-Farber Cancer Institute) وكلية الطب بجامعة هارفارد، وتم إعطاء لقاح ضد سرطان الكلى لتسعة مرضى يعانون من سرطان الخلايا الكلوية الصافي (Clear Cell Renal Cell Carcinoma) في المرحلتين الثالثة والرابعة، وهي مراحل يكون فيها خطر تكرار المرض مرتفعًا بعد العلاج.
صُمم اللقاح بحيث يكون شخصيًا لكل مريض، ويعتمد على استخراج المستضدات الجديدة (Neoantigens) من أورام المرضى، وهي بروتينات متحورة خاصة بالخلايا السرطانية. بعد ذلك، يتم استخدام خوارزميات تنبؤية (Predictive Algorithms) لتحديد المستضدات الأكثر قدرة على تحفيز الجهاز المناعي لمهاجمة الورم.
فعالية اللقاح ومعدل البقاء دون انتكاس
بحسب الدراسة التي نُشرت في دورية Nature في 5 فبراير 2025، بقي جميع المرضى التسعة خاليين من السرطان لمدة متوسطة بلغت 40 شهرًا بعد الجراحة، مما يشير إلى أن اللقاح قد يساعد في منع عودة المرض. وقد تلقى خمسة من المرضى أيضًا عقار إبيليموماب (Ipilimumab)، وهو نوع من العلاج المناعي (Immunotherapy) يعمل على تعزيز استجابة الجسم المناعية ضد الخلايا السرطانية.
ووفقًا للدكتور توني شويري (Toni Choueiri)، الباحث الرئيسي في الدراسة، فإن "هذه النتائج تمثل تقدمًا مشجعًا في مجال العلاج المناعي لسرطان الكلى"، لكنه أكد على ضرورة إجراء دراسات أكبر للتحقق من فعالية اللقاح على نطاق أوسع.
آلية عمل لقاح ضد سرطان الكلى وتأثيره على الخلايا المناعية
عمل الباحثون على تقييم تأثير لقاح ضد سرطان الكلى من خلال سلسلة من التحليلات المخبرية، ووجدوا أن الاستجابة المناعية ظهرت خلال ثلاثة أسابيع فقط بعد تلقي اللقاح، وزادت أعداد الخلايا التائية (T cells) المتخصصة بمحاربة السرطان بمقدار 166 ضعفًا. كما أظهرت التجارب أن هذه الخلايا المناعية ظلت نشيطة في الجسم لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وفي التجارب المخبرية، تبين أن الخلايا التائية التي حفزها اللقاح كانت قادرة على التعرف على خلايا الورم الخاصة بالمريض نفسه وتدميرها، مما يؤكد فعالية النهج العلاجي المتبع.
السلامة والآثار الجانبية
أظهر المرضى الذين تلقوا جرعة من لقاح ضد سرطان الكلى بعض الآثار الجانبية البسيطة، مثل التفاعلات الموضعية (Local Reactions) في موقع الحقن، وأعراض تشبه الإنفلونزا. ومع ذلك، لم تُسجَّل أي آثار جانبية خطيرة، مما يشير إلى أن اللقاح آمن للاستخدام في هذه المرحلة المبكرة من الاختبار.
مستقبل لقاح سرطان الكلى
نظرًا لأن سرطان الكلى يحتوي على عدد أقل من الطفرات مقارنة بأنواع السرطانات الأخرى، مثل الميلانوما (Melanoma)، كان هناك تساؤل حول إمكانية نجاح لقاح يعتمد على المستضدات الجديدة في هذا النوع من السرطان. وأظهرت نتائج هذه الدراسة إمكانية تطوير لقاح فعال ضد سرطان الكلى، مما يعزز الآمال في إيجاد خيارات علاجية جديدة للمرضى الذين يعانون من أشكال متقدمة من المرض.
حاليًا، يتم إجراء دراسة دولية متعددة المراكز لاختبار لقاح شخصي آخر يعتمد على المستضدات الجديدة، وذلك بالتوازي مع العلاج بعقار بمبروليزوماب (Pembrolizumab)، وهو مثبط لنقاط التفتيش المناعية (Immune Checkpoint Inhibitor) يُستخدم حاليًا لعلاج سرطان الكلى لتقليل مخاطر عودة المرض.
نهايةً، يمثل تطوير لقاح ضد سرطان الكلى خطوة مهمة نحو تعزيز العلاجات المناعية، فقد أظهرت التجربة السريرية المبكرة استجابة مناعية قوية لدى المرضى، مع نتائج واعدة فيما يخص البقاء دون انتكاس. ومع أن هذه النتائج تبعث على التفاؤل، فإن الحاجة ما تزال قائمة لإجراء دراسات أوسع لضمان فعالية اللقاح على نطاق أوسع من المرضى. ومع استمرار الأبحاث، قد يصبح اللقاح أداة فعالة في مكافحة سرطان الكلى، مما يمنح المرضى أملاً جديدًا في العلاج.