في ظل التطور الرقمي السريع، أصبح المراهقون يقضون ساعات طويلة يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي مستخدمين منصات متنوعة، أبرزها الفيسبوك والإنستغرام والسناب شات ومنصة إكس (تويتر سابقًا)، للتفاعل والتواصل. وعلى الرغم من الإيجابيات والمزايا المختلفة التي تقدمها هذه المنصات، مثل تعزيز التواصل الاجتماعي وبناء العلاقات، ونشر المعلومات والمعرفة، والتعبير عن الرأي، والترفيه، فإنها تحمل عدة جوانب سلبية، مثل تأثيراتها على الصحة النفسية والسلوكيات. ومن بين السلوكيات السلبية التي أثارت القلق، برز تعاطي مواد الإدمان، لا سيّما بين الفئات الأصغر سنًا، فما هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المراهقين تجاه تعاطي المخدرات والكحول؟ دراسة حديثة نُشرت في مجلة إدمان المخدرات والكحول (Drug and Alcohol Dependence) في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 تُجيب عن هذا السؤال.
ما هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المراهقين تجاه تعاطي مواد الإدمان؟
مع استمرار المراهقين في قضاء المزيد من الوقت أمام الشاشات، أظهرت دراسة حديثة أن المراهقين في بداية مرحلة المراهقة، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عامًا، ويقضون وقتًا طويلًا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وفي إرسال الرسائل النصية وإجراء مكالمات الفيديو هم الأكثر عرضة لتجربة مواد الإدمان، مثل الكحول والنيكوتين والقنَّب أو الحشيش، في سن مبكرة.
اعتمدت هذه الدراسة على بيانات من دراسة النمو المعرفي الدماغي لدى المراهقين (ABCD)، وهي أكبر دراسة طويلة الأمد في الولايات المتحدة حول تطور الدماغ. شملت الدراسة بيانات 8006 مشاركين في مرحلة بداية المراهقة، تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عامًا، قدموا معلومات حول عاداتهم اليومية في استخدام الشاشات ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وما إذا كانوا قد جربوا الكحوليات أو النيكوتين أو الحشيش من قبل.
وأظهرت النتائج أن المراهقين الذين يقضون المزيد من الوقت في استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي وفي إرسال الرسائل النصية كانوا أكثر عرضة لتجربة الكحوليات والحشيش والنيكوتين، وأن المراهقين الذين يقضون المزيد من الوقت في إجراء مكالمات الفيديو كانوا أكثر عرضة لتجربة الحشيش والنيكوتين. وفي المقابل، لم يرتبط الوقت الذي يقضونه في الأنشطة الأخرى على الشاشات، مثل لعب ألعاب الفيديو أو تصفح الإنترنت أو مشاهدة المسلسلات والأفلام ومقاطع الفيديو، بالمخاطر نفسها.
ومن الجدير بالذكر أن دراسات سابقة أشارت إلى أن تعاطي المراهقين لهذه المواد يرتبط بتراجع الأداء المدرسي، وضعف القدرات الإدراكية، وزيادة خطر الإصابة باضطراب تعاطي المواد في مراحل لاحقة من حياتهم.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المراهقين.. كيف تدفعهم إلى تجربة مواد الإدمان؟
غالبًا ما تعرض منصات التواصل الاجتماعي تعاطي مواد الإدمان بطريقة إيجابية، وكثيرًا ما يتم استخدامها في الحملات التسويقية التي تروِّج لمنتجات الكحول والتبغ والحشيش. وأوضح البروفيسور جيسون ناغاتا، الباحث الرئيسي للدراسة من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أن الأدمغة خلال مرحلة المراهقة ما تزال في طور النمو وفي مرحلة بناء القدرة على السيطرة على الانفعالات، لذا قد يكون المراهقون الأكثر عرضة للتأثر بمثل هذا النوع من المحتوى والإعلانات، خاصة في المراحل العمرية الأصغر.
وأضاف قائلًا: "تشير نتائج الدراسة إلى أن العلاقات الاجتماعية على الإنترنت قد تكون الدافع الرئيسي للعلاقة بين استخدام الشاشات وتعاطي المراهقين لمواد الإدمان في سن مبكرة. تعرُّض الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة باستمرار لمحتوى يظهر أصدقاءهم أو شخصيات مؤثرة يشربون الكحول أو يدخنون على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يجعل هذه السلوكيات تبدو طبيعية لهم، وبالتالي تجعلهم أكثر عرضة لتجربة هذه المواد".
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المراهقين
حذَّرت هذه الدراسة من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك المراهقين تجاه تعاطي مواد الإدمان، وأشار الباحثون إلى أهمية دور الأهل والمدارس في مواجهة هذه المشكلة، واقترحوا على المدارس أن تقدم برامج توعية حول وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة وعي الطلاب حول تأثير المحتوى الرقمي على السلوكيات السيئة، كما يمكن للأهل أيضًا وضع قواعد واضحة لاستخدام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم المراهقون على هذه المنصات.
وخلص البروفيسور ناغاتا إلى أن هذه الدراسة تؤكد على أهمية فهم كيفية تأثير العلاقات والتفاعلات الاجتماعية الرقمية على سلوك المراهقين، وأشار إلى أن الدراسات المستقبلية يمكن أن تعمق فهم هذه الروابط لتساعد في تطوير تدخلات فعّالة.