يُعد الخرف مشكلة متزايدة في جميع أنحاء العالم، حيث يعاني أكثر من 55 مليون شخص حالياً من هذه الحالة، ومن المتوقع أن يصاب 139 مليون شخص بالخرف بحلول عام 2050. نظرت دراسة حديثة نشرت نتائجها في مجلة (Neurology) بتاريخ 22 أبريل 2025 عن العلاقة بين النعاس المفرط والخرف عند كبار السن. يجدر بالذكر أن العديد من الدراسات السابقة اقترحت أن أنماط النوم المضطربة قد تساهم في خطر الإصابة بالخرف، ولكنها لم تتفق على ما إذا كان النوم الكثير أو القليل جداً له تأثير أكبر.
ما علاقة مدة النوم بالخرف؟
وجدت إحدى الدراسات الواسعة النطاق أن مدة النوم الزائدة أو القليلة تزيد من خطر الإصابة بضعف الإدراك والخرف، ووجدت دراسة أخرى أن مدة النوم القصيرة في منتصف العمر ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بالخرف، بينما تشير دراسة ثالثة إلى أن النوم أكثر من 9 ساعات في الليلة مرتبط بالتنكس العصبي والخرف. اعتمدت جميع هذه الدراسات على مدة النوم التي أبلغ عنها المشاركون وليس على القياس الموضوعي للنوم واليقظة.
العلاقة بين النعاس المفرط والخرف في الدراسة الجديدة
وجدت الدراسة الحديثة التي أجراها علماء في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والتي استخدَمت أجهزة تتبع النوم لمراقبة أنماط نوم 733 امرأة في الثمانينيات من العمر، أن زيادة النعاس على مدار 24 ساعة، وخاصة القيلولة المفرطة، ارتبطت بتضاعف خطر الإصابة بالخرف، وبهذا تسلط الدراسة الضوء على العلاقة الثنائية الاتجاه بين النعاس المفرط والخرف ، ولكن، كما يشير المؤلفون، لا يمكن استنتاج الاتجاه الدقيق للعلاقة من خلال دراسة إحصائية كهذه.
يعني ما سبق أن اضطرابات النوم قد تكون هي ما يؤدي بالفعل إلى ظهور تغيرات تنكسية عصبية مبكرة، تعمل كمقدمات للأعراض السريرية، وعلى العكس، قد تكون التغيرات العصبية المرتبطة بالخرف هي ما يسبب تعطيل مراكز تنظيم النوم في الدماغ، مما يؤدي إلى تفاقم النعاس. بمعنى آخر، وجدت الدراسة علاقة بين النعاس المفرط والخرف ولكنها لم تحدد إذا كان النعاس المفرط هو ما يزيد فرص الإصابة بالخرف أو إذا كانت الإصابة بالخرف هي ما تؤدي إلى النعاس المفرط. بالرغم من ذلك، فيمكن استخدام التغيرات المرتبطة بالنوم للتنبؤ بخطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة.
كيف دُرست العلاقة بين النعاس المفرط والخرف ؟
شارك في الدراسة 733 امرأة شاركنَ في دراسة كسور هشاشة العظام (SOF)، وجميعهنّ كنّ في سنّ 65 عامًا على الأقل، ويمكنهن المشي دون مساعدة ولم يخضعنَ لعملية استبدال مفصل الورك، وكان متوسط أعمار المشارِكات 82.5 سنة، علماً انه لم يكن لدى أي من المشارِكات ضعف إدراكي أو خرف عند البدء.
أعطى الباحثون جميع المشارِكات جهازاً لقياس النشاط أثناء النوم والاستيقاظ على مدار 24 ساعة، ولكي يتم تضمين بياناتهم في التحليل، كان على المشاركات الحضور شخصياً إلى العيادة، وأن يكون لديهنّ 3 أيام متتالية على الأقل من قياسات جهاز قياس النشاط في كل من الزيارة الأولية والمتابعة لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى إكمال سجل للنوم.
من هذه البيانات، سجل الباحثون التغيرات التي طرأت على مدار 5 سنوات في النوم الليلي والقيلولة وإيقاعات الراحة والنشاط اليومي، ومن خلال ذلك حددوا ثلاثة أنماط رئيسية للنوم هي:
- النوم المستقر الذي سُجّل لدى 321 امرأة (43.8% من المجموعة)، وتميزت هذه المجموعة بنوم مستقر أو بوجود تحسن طفيف فيه.
- انخفاض النوم الليلي، حيث سُجل لدى 256 امرأة (34.9%) انخفاض في جودة النوم الليلي ومدته، وزيادة معتدلة في القيلولة، وتدهور أنماط الساعة البيولوجية.
- زيادة النعاس، وكان لدى هؤلاء النساء البالغ عددهنّ 156 امرأة (21.3%) زيادات كبيرة في مدة النوم النهاري والليلي ونوعيته، بالإضافة إلى تدهور أنماط الساعة البيولوجية.
العلاقة بين النعاس المفرط والخرف : النتائج
حدد الباحثون في نهاية فترة الخمس سنوات ما إذا كانت المشاركان يملكنَ قدرات إدراكية طبيعية، أو ضعف الإدراك المعتدل، أو الخرف، وتم ذلك بناءً على عدد من الاختبارات النفسية العصبية، أو على تشخيص الطبيب، أو الدخول إلى دور رعاية المسنين، حيث تم الحكم على أي مشارِكة لم تملك أياً من هذه المعايير بأنها تملك قدرات إدراكية طبيعية. قام الباحثون بتعديل السن والتعليم والعِرق ومؤشر كتلة الجسم والسكري وارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية واستخدام مضادات الاكتئاب والقدرة الإدراكية عند خط الأساس عند تحليل نتائجهم.
من بين مجموعة المسنات، أصيبت 164 امرأة (22.4%) بالخرف المعتدل و93 امرأة (12.7%) بالخرف خلال فترة المتابعة التي استمرت 5 سنوات. كانت النساء اللاتي يعانينَ من النعاس المتزايد على مدار 24 ساعة أكثر عرضة للإصابة بالخرف بحوالي ضعف النساء اللاتي يتمتعنَ بنوم مستقر على مدار 5 سنوات. ومع ذلك، لم تكن زيادة النعاس مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالخرف المعتدل.
يؤكد الباحثون على أن دراستهم القائمة على الملاحظة لا يمكن أن تُظهر اتجاه العلاقة بين النوم الزائد والخرف كما ذكرنا فيما سبق.
نصيحة من موقع صحتك
تلقي هذه الدراسة الضوء على العلاقة بين النعاس المفرط والخرف ، وهي دليل إضافي على أن أنماط النوم المتغيرة في سنّ متقدمة قد تساهم في خطر الإصابة بالخرف، ويمكن تحسين جودة النوم من خلال تغييرات في بعض العادات مثل تكوين روتين يومي قبل النوم لتعزيز الاسترخاء، والالتزام بوقت محدد للنوم والاستيقاظ يومياً، وتجنب القيلولة في وقت متأخر من اليوم، وتفادي تناول المشروبات الكحولية والمحتوية على الكافيين في وقت قريب من موعد النوم.