الفركتوز والسرطان.. كيف يؤثر سكر الفاكهة على الأورام السرطانية؟

زاد استهلاك الفركتوز أو سكر الفاكهة بشكل ملحوظ خلال العقود الخمسة الماضية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى انتشار استخدام شراب الذرة العالي الفركتوز لتحلية المشروبات والأطعمة المعالَجة. ومع ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، أشار باحثون من جامعة واشنطن في سانت لويس بالولايات المتحدة إلى وجود علاقة محتملة بين الفركتوز والسرطان. وفي دراسة أجريت على حيوانات مصابة ببعض أنواع السرطان، اكتشف الباحثون أن الفركتوز يعزز نمو الأورام، لكنه لا يغذيها بشكل مباشر، بل تقوم الكبد بتحويله إلى مغذيات مفيدة للخلايا السرطانية. نُشرت الدراسة في مجلة الطبيعة (Nature) العلمية في 4 كانون الأول/ديسمبر 2024.

الفركتوز والسرطان.. دور سكر الفاكهة في تعزيز نمو الأورام

أشار الباحثون إلى أن فكرة مكافحة السرطان من خلال النظام الغذائي مثيرة للاهتمام، وأوضحوا أن الدراسات عادةً ما تركز على المكونات الغذائية التي تتغذى عليها الأورام السرطانية بشكل مباشر، ولكن الجسم البشري معقد، إذ يمكن للأنسجة السليمة أن تحول العناصر الغذائية المستهلكة إلى مغذيات تدعم نمو الأورام.

ومع ارتفاع استهلاك الفركتوز، ارتفعت أيضًا معدلات الإصابة ببعض أنواع السرطان لدى الأشخاص دون سن الخمسين، ما يشير إلى احتمال وجود علاقة بين الفركتوز والسرطان. ودفع ذلك الباحثين إلى دراسة نماذج حيوانية لسرطان الجلد وسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم لفهم كيفية تأثير الفركتوز على نمو هذه الأورام بشكل أفضل.

اعتقد الباحثون في البداية أن خلايا الأورام السرطانية تستخدم الفركتوز مباشرة مثلما تفعل مع الجلوكوز، ولكنهم اكتشفوا أن الكبد يحول الفركتوز إلى مغذيات مفيدة للأورام، كما وجدوا أن أنواع السرطان التي قاموا بدراستها في أنسجة مختلفة في مختلف أنحاء الجسم اتبعت الآلية نفسها في تحويل الفركتوز إلى مغذيات تدعم نمو الأورام.

الفركتوز والسرطان.. تزايد استهلاك شراب الذرة في الأنظمة الغذائية

من المعروف أن خلايا السرطان تعتمد بشكل كبير على الجلوكوز، ورغم أن الفركتوز يشبه الجلوكوز في تركيبته الكيميائية وكلاهما نوعان شائعان من السكر ولهما الصيغة الكيميائية نفسها، لكنهما يختلفان في كيفية استقلاب الجسم لهما، إذ يتم استقلاب الجلوكوز في جميع أنحاء الجسم، بينما يتم استقلاب الفركتوز بشكل كامل تقريبًا في الأمعاء الدقيقة والكبد.

يوجد الفركتوز والجلوكوز بشكل طبيعي في الفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان والحبوب، كما يتم إضافتهما إلى العديد من الأطعمة المصنَّعة لتحليتها. وقد اكتسب الفركتوز مكانة بارزة في الأنظمة الغذائية الأمريكية خلال العقود الأخيرة، وأصبح مرغوبًا به في الصناعات الغذائية لكونه أكثر حلاوة من الجلوكوز.

في فترة ما قبل الستينيات، كان استهلاك الفركتوز قليلًا نسبيًا مقارنة باليوم. قبل قرن من الزمن كان استهلاك الشخص يتراوح بين 5 و10 أرطال سنويًا من الفركتوز، أي ما يعادل تقريبًا وزن جالون من الحليب، أما في القرن الحادي والعشرين، فقد ارتفع هذا الرقم ليصل إلى ما يعادل وزن 15 جالونًا من الحليب سنويًا.

وأشار الباحثون إلى أن معظم منتجات الغذائية تقريبًا تحتوي على شراب الذرة العالي الفركتوز، وهو النوع الأكثر شيوعًا للفركتوز، ولا يقتصر وجوده في الحلويات والكعك فحسب، بل يوجد أيضًا في أطعمة مثل صلصة المعكرونة، وتتبيلة السلطة التجارية الجاهزة، والكاتشب، مما يجعل من الصعب تجنبه.

اقرأ أيضاً

ما هو السكر المضاف وكيف تقلل من مخاطره؟

الفركتوز والسرطان.. كيف يؤثر على نمو الأورام السرطانية؟

استخدم الباحثون تقنية الميتابولوميات لتحليل الجزيئات الصغيرة أثناء انتقالها عبر الخلايا والأنسجة المختلفة في الجسم، ووجدوا أن استهلاك كميات كبيرة من الفركتوز يعزز نمو الأورام من خلال زيادة الدهون المتداولة في الدم، وهي عناصر أساسية في تركيب الأغشية الخلوية، وضرورية لنمو الخلايا السرطانية.

قام الباحثون بتغذية حيوانات مصابة بأورام سرطانية بنظام غذائي غني بالفركتوز، وقاسوا سرعة نمو الأورام، واكتشفوا أن الفركتوز المضاف يُسرِّع نمو الأورام بشكل كبير دون أن يؤثر على وزن الجسم أو على مستويات الجلوكوز والإنسولين أثناء الصيام. لكن عندما تم تغذية خلايا السرطان المعزولة في المختبر بالفركتوز، لم تستجب هذه الخلايا ولم يظهر أي تأثير على نموها.

وعندما حللوا دم الحيوانات التي تناولت نظامًا غذائيًا غنيًا بالفركتوز، وجدوا زيادة ملحوظة في مستويات أنواع مختلفة من الدهون، بما في ذلك الليسو فوسفاتيديل كولين (LPCs). وأظهرت التجارب المعملية أن خلايا الكبد التي تتغذى على الفركتوز تقوم بتحويله إلى دهون LPCs يمكن أن تغذي الأورام.

وأوضح الباحثون أن خلايا السرطان غير قادرة على استخدام الفركتوز بشكل مباشر، لكن خلايا الكبد تقوم بتحويله إلى دهون تدعم نمو الأورام. وأشاروا إلى أن الخلايا السرطانية تحتاج إلى كميات كبيرة من الدهون لتتكاثر، ورغم أن الخلايا يمكنها إنتاج الدهون ذاتيًا، فإن خلايا السرطان تُفضل امتصاصها من البيئة المحيطة لتدعم نمو الأورام.

الفركتوز والسرطان.. دراسة على الفئران تفتح آفاقًا جديدة لعلاج السرطان

بعيدًا عن التدخلات الغذائية، يرى الباحثون أن هذه الدراسة يمكن أن تساعد في تطوير أدوية تمنع الفركتوز من تعزيز نمو الأورام، مما يفتح آفاقًا جديدة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان. ويجدر بالذكر أن هذه الدراسة أجريت على الفئران، ويعمل الباحثون حاليًا على تصميم تجارب سريرية عند الإنسان لدراسة العلاقة بين الفركتوز والسرطان بهدف استكشاف علاجات محتملة تستند إلى هذه النتائج.