يتعرض الإنسان للزرنيخ من عدة مصادر، من بينها المياه الجوفية، وفي ظل ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الكلى في الولايات المتحدة، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة تكساس إيه آند إم (Texas A&M University) أن الزرنيخ في مياه الشرب يمكن أن يسبب مشكلات صحية خطيرة، وأظهرت أن التعرض لهذه المادة، حتى بمستويات منخفضة، قد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى. نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة التلوث البيئي (Environmental Pollution) في 15 كانون الأول/ديسمبر 2024.
هل الزرنيخ في مياه الشرب سبب رئيسي لارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الكلى؟
شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا سنويًا بنسبة 1.2% في معدلات الإصابة بسرطان الكلى في الفترة من عام 2011 إلى 2019، مما جعله سابع أكثر أنواع السرطان شيوعًا. وفي المقابل، انخفضت معدلات التدخين خلال الفترة نفسها، وهو أحد عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بسرطان الكلى أيضًا. وقد دفع ذلك الباحثين إلى دراسة عوامل أخرى قد تسهم في زيادة معدلات الإصابة بهذا السرطان، من بينها الزرنيخ، وهو معروف بأنه يمكن أن يسبب العديد من أنواع السرطان مثل سرطان الكبد وسرطان البروستاتا.
يتواجد الزرنيخ طبيعيًا في المياه الجوفية في عدد من المناطق في الولايات المتحدة، بما في ذلك ولاية تكساس. وبينما تناولت الدراسات السابقة تأثير التعرض للمستويات العالية من الزرنيخ، ركزت هذه الدراسة على تأثير التعرض للمستويات المنخفضة التي تقل عن 10 أجزاء في المليار في شبكات المياه العامة التي توزعها وكالات حكومية مختلفة، وشبكات الآبار الخاصة غير الخاضعة للتنظيم الحكومي.
أشار الدكتور تايهيون روه، أحد الباحثين الرئيسيين للدراسة من قسم علم الأوبئة والإحصاء الحيوي في جامعة تكساس، إلى أن بعض شبكات المياه العامة قد تكون سيئة الإدارة، ما يؤدي إلى زيادة خطر التعرض للزرنيخ، ولكن الأشخاص الذين يعتمدون على الآبار الخاصة، والبالغ عددهم نحو 40 مليون شخص في الولايات المتحدة، هم الأكثر عرضة لهذا الخطر الصحي.
المستويات المنخفضة من الزرنيخ في مياه الشرب قد تزيد احتمال الإصابة بسرطان الكلى
قام الباحثون بدراسة العلاقة بين معدلات الإصابة بسرطان الكلى ومستويات الزرنيخ في مياه الشرب في 240 مقاطعة في أرجاء ولاية تكساس. شملت الدراسة تحليل بيانات 28896 شخصًا مصابًا بالسرطان في تكساس، ممن يبلغون من العمر 20 سنة أو أكثر، من قاعدة بيانات برنامج المراقبة والوبائيات والنتائج النهائية (SEER)، بالإضافة إلى نتائج اختبارات المياه من وزارة الخدمات الصحية وهيئة تنمية المياه في الولاية.
تمت مراعاة بعض العوامل المؤثرة مثل: الموقع الجغرافي، والعوامل الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وعوامل خطر الإصابة بالسرطان مثل السمنة والتدخين والسكري، بالإضافة إلى التعرض للمبيدات الحشرية، والضعف الاجتماعي، ومستويات الدخل، والطابع الريفي، وكذلك معدلات دخول المستشفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية ومعدلات الإصابة بمرض الكلى المزمن.
وأظهرت النتائج أن التعرض لمستويات تتراوح بين 1 إلى 5 أجزاء في المليار من الزرنيخ أدى إلى زيادة احتمال الإصابة بسرطان الكلى بنسبة 6%، بينما أدى التعرض لمستويات تزيد عن 5 أجزاء في المليار إلى زيادة احتمال الإصابة بنسبة 22%. وبالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن خطر الإصابة بالسرطان يزيد بنسبة 4% مع كل تضاعف في مستويات الزرنيخ في مياه الشرب.
الزرنيخ في مياه الشرب وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى.. كيف يمكن تقليل هذا الخطر؟
أوضح الدكتور روه أن هذه النتائج تشير إلى أن التعرض لمستويات منخفضة من الزرنيخ في مياه الشرب قد يكون مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى، وأن هذه الدراسة تتماشى مع دراسات سابقة أظهرت وجود علاقة بين التعرض للزرنيخ وسرطانات الرئة والمثانة والجلد.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الدراسة لا تُثبت العلاقة السببية، بل تبرز وجود علاقة إحصائية بين العوامل المختلفة، وأكدوا على ضرورة إجراء دراسات مستقبلية تعتمد على بيانات فردية بيولوجية بدلًا من البيانات على مستوى المقاطعة لتقييم تأثير العوامل الأخرى مثل نمط الحياة والتاريخ العائلي للإصابة بسرطان الكلى ومصادر أخرى محتملة للتعرض للزرنيخ. ورغم ذلك، أشاروا إلى أن الحد من التعرض للزرنيخ يمكن أن يساهم في تقليل معدلات الإصابة بسرطان الكلى، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الرقابة التنظيمية والتدخلات الصحية العامة.