اشتهرت التمارين الرياضية بدورها الأساسي في تحسين اللياقة البدنية وتعزيز الصحة العامة، ولكن العديد من الدراسات أظهرت أن فوائدها تتجاوز ذلك لتشمل تحسين الأداء المعرفي والذاكرة. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من كلية لندن الجامعية وجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة أن التمارين الرياضية قد تحسن الذاكرة والقدرات المعرفية لمدة 24 ساعة. نُشرت الدراسة في المجلة الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني (International Journal of Behavioral Nutrition & Physical Activity) في 10 كانون الأول/ديسمبر 2024.
التمارين الرياضية قد تحسن الذاكرة والأداء المعرفي حتى اليوم التالي
أظهرت الدراسات السابقة أن الأداء الإدراكي يتحسن خلال ساعات بعد ممارسة التمارين الرياضية، ولكن مدة استمرار هذا التأثير لم تكن معروفة. أشارت هذه الدراسة الحديثة إلى أن التحفيز القصير المدى الذي يحصل للدماغ بعد ممارسة التمارين الرياضية قد يستمر طوال اليوم التالي، وقد توصلت النتائج إلى ما يلي:
- زيادة النشاط البدني المعتدل أو القوي في يوم معين كانت مرتبطة بتحسن نتائج اختبارات الذاكرة في اليوم التالي.
- تقليل الوقت المستغرق في الجلوس والنوم لمدة 6 ساعات أو أكثر كانا مرتبطين بتحسن نتائج اختبارات الذاكرة في اليوم التالي.
- الحصول على المزيد من النوم العميق (نوم الموجة البطيئة) ساهم في تعزيز وظائف الذاكرة، مما يفسر جزءًا من العلاقة بين النشاط البدني وتحسن الأداء المعرفي في اليوم التالي.
أوضحت الدكتورة ميكايلا بلومبرغ، الباحثة الرئيسية في الدراسة من كلية لندن الجامعية، أن هذه النتائج تشير إلى أن الفوائد القصيرة المدى للنشاط البدني على الذاكرة قد تدوم لفترة أطول مما كان يُعتقد في السابق، وربما تستمر حتى اليوم التالي وليس فقط لبضع ساعات بعد التمرين. كما أن الحصول على المزيد من النوم، تحديدًا النوم العميق، يلعب دورًا إضافيًا في تحسين الذاكرة.
التمارين الرياضية قد تحسن الذاكرة وتبطئ التدهور المعرفي
أشار الباحثون إلى أن النشاط البدني المعتدل أو القوي هو أي نشاط يرفع معدل ضربات القلب، مثل المشي السريع أو الرقص أو صعود الدرج، ولا يتطلب أن يكون تمرينًا رياضيًا منظمًا. على المدى القصير، تزيد التمارين الرياضية من تدفق الدم إلى الدماغ وتحفز إفراز الناقلات العصبية، مثل النورإبينفرين والدوبامين، مما يعزز الوظائف الإدراكية. ورغم أن هذه التغييرات الكيميائية العصبية تستمر لبضع ساعات بعد التمرين، فإنها تدوم لفترة أطول في بعض الحالات، إذ يمكن للتمارين الرياضية أن تحسن الحالة المزاجية لمدة تصل إلى 24 ساعة.
وجدت دراسة أجريت في عام 2016 حدوث زيادة في النشاط المتزامن مع الرياضة في الحُصين، وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ، لمدة 48 ساعة بعد تدريب متقطع عالي الكثافة على ركوب الدراجة الثابتة، مما يسهل عمليات الذاكرة. وأشار البروفيسور أندرو ستيبتو، المؤلف المشارك في الدراسة من كلية لندن الجامعية، إلى أهمية العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل يومي على الصحة المعرفية للحفاظ على الوظائف الذهنية لدى كبار السن.
وأضاف البروفيسور ستيبتو: "تقدم هذه الدراسة دليلاً على أن الفوائد المعرفية الفورية للرياضة قد تستمر لفترة أطول مما كنا نعتقد، وتشير أيضًا إلى أن النوم الجيد يساهم في تحسين الأداء الإدراكي. ومع ذلك، لا يمكننا أن نثبت من خلال هذه الدراسة ما إذا كانت هذه التحسينات القصيرة المدى في الأداء المعرفي تساهم في تعزيز الصحة المعرفية على المدى الطويل، ورغم وجود الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن النشاط البدني قد يبطئ التدهور المعرفي ويقلل من خطر الإصابة بالخرف، فإن هذا ما يزال موضع نقاش".
زيادة ممارسة التمارين الرياضية قد تحسن الذاكرة العاملة والذاكرة العرضية حتى اليوم التالي
شملت الدراسة بيانات 76 رجلًا وامرأة، تتراوح أعمارهم ما بين 50 و83 عامًا. ارتدى المشاركون على معصمهم أجهزة تعقب النشاط البدني لمدة 8 أيام لتسجيل الوقت المستغرق في الجلوس، وفي ممارسة النشاط البدني الخفيف، وممارسة النشاط البدني المعتدل إلى القوي، بالإضافة إلى مدة النوم والوقت المستغرق في النوم الخفيف والنوم العميق. كما أجرى المشاركون اختبارات معرفية يوميًا خلال هذه الفترة.
أخذ الباحثون في الاعتبار بعض العوامل التي قد تؤثر على النتائج، مثل مستويات النشاط البدني وجودة النوم لدى المشاركين، ووجدوا أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من النشاط البدني وجودة نوم أفضل كان أداؤهم في الاختبارات المعرفية أفضل. كما أظهرت النتائج أن:
- زيادة النشاط البدني المعتدل إلى القوي كانت مرتبطة بتحسن الذاكرة العاملة والذاكرة العرَضية في اليوم التالي.
- الحصول على المزيد من النوم بشكل عام كان مرتبطًا بتحسن الذاكرة العرَضية والذاكرة العاملة وسرعة الاستجابة الحركية.
- الحصول على المزيد من النوم العميق كان مرتبطًا بتحسن الذاكرة العرَضية.
- قضاء وقت أطول من المعتاد في الجلوس كان مرتبطًا بتدهور الذاكرة العاملة في اليوم التالي.
وأشارت الدكتورة بلومبرغ إلى أن هذه الدراسة صغيرة الحجم، مما يستدعي إجراء المزيد من الدراسات على مجموعات أكبر من المشاركين للتأكد من النتائج.