أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة أن الأسبرين يمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم إلى أعضاء أخرى من خلال تحفيز جهاز المناعة، ممّا يفتح آفاقًا جديدة لاستخدام هذا الدواء لمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم وتطوير علاجات جديدة وأكثر فاعلية. نُشرت هذه الدراسة في مجلة Nature العلمية في 5 آذار/مارس 2025.
ما هو الأسبرين ولماذا يُستخدم؟
الأسبرين (Aspirin) هو دواء شائع ينتمي إلى فئة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)، ويُستخدم لتسكين الألم وخفض الحرارة ومعالجة أمراض الشرايين والأوردة الدموية. وقد كشفت دراسات سابقة أن تناول الأسبرين قد يُقلِّل من احتمال الإصابة ببعض أنواع السرطان، كما قد يُؤخِّر انتشار أنواع أخرى.
ومع ذلك، حذِّر العلماء من أن الأسبرين قد يُسبِّب آثارًا جانبية خطيرة لدى بعض الأشخاص، مثل النزيف أو قرحة المعدة، وأشاروا إلى أن التجارب السريرية ما تزال جارية لتحديد كيفية استخدامه بشكل آمن وفعّال لمنع انتشار السرطان، لذا يُنصَح المرضى بعدم تناول الأسبرين لهذا الغرض دون استشارة طبية.
الأسبرين يمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم
أظهرت دراسات سابقة أُجرِيَت على مرضى السرطان أن تناول جرعة منخفضة من الأسبرين يوميًا ربما يُقلِّل من احتمال انتشار بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الثدي وسرطان الأمعاء وسرطان البروستاتا، ممّا دفع الباحثين إلى إجراء المزيد من التجارب السريرية. ومع ذلك، فإن الآلية التي يُقلِّل بها الأسبرين من انتشار السرطان لم تكن معروفة.
في هذه الدراسة، كان الباحثون يدرسون عملية انتقال أو هجرة الخلايا السرطانية (Metastasis)، وهي عملية انتقال الخلايا السرطانية من عضو إلى آخر، فالسرطان يبدأ في عضو واحد من الجسم ثم ينتقل إلى أعضاء أخرى. وتُشير التقديرات إلى أن حوالي 90% من وفيات السرطان تحدُث بسبب انتشار المرض في الجسم.
كان هدف الباحثين فهم استجابة الجهاز المناعي لعملية الانبثاث بشكل أعمق، فعندما تنفصل الخلايا السرطانية الفردية عن الورم الأساسي وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، تكون أكثر عرضة لهجمات الجهاز المناعي. إذ يتعرَّف جهاز المناعة على هذه الخلايا السرطانية الفردية التي انتقلت بعيدًا عن الورم الأساسي ويقضي عليها بفاعلية أكبر مقارنةً بالخلايا السرطانية الموجودة داخل الورم الأساسي الأكبر حجمًا، والتي غالبًا ما تكون قد طوَّرت بيئة تُثبط جهاز المناعة.
الأسبرين يمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم... كيف يفعل ذلك؟
في دراسة سابقة أُجرِيَت على الفئران، اكتشف الباحثون 15 جينًا وراثياً يؤثر على انتشار السرطان، ووجدوا أن الفئران التي تفتقر إلى الجين الذي ينتج بروتين ARHGEF1 كانت أقل عرضة لانتقال مختلف أنواع السرطان من الورم الرئيسي إلى الرئتين والكبد.
ووجدوا أن هذا البروتين يُثبِّط نشاط الخلايا التائية، أحد أنواع الخلايا المناعية، التي يمكنها التعرُّف على الخلايا السرطانية المنتشرة والقضاء عليها. ومن خلال تتبُّع الإشارات الخلوية، اكتشف الباحثون أن جين ARHGEF1 يُنشَّط عندما تتعرَّض الخلايا التائية لعامل التخثُّر ثرومبوكسان A2 (TXA2) الذي تنتجه الصفائح الدموية.
والصفائح الدموية هي خلايا صغيرة في الدم تساعد في التجلُّط وتمنع الجروح من النزيف، لكنها في بعض الحالات قد تُسهم في حدوث نوبات قلبية أو سكتات دماغية. ويُقلِّل الأسبرين من إنتاج TXA2، ممّا يؤدي إلى تأثيرات مضادة للتجلُّط ويمنع حدوث النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وفي هذه الدراسة، استخدَم الباحثون فئران مصابة بسرطان الجلد الميلانوما، وكشفت النتائج أن تناول الأسبرين قلَّل من انتشار الخلايا السرطانية المنتقلة من الورم الأساسي إلى أجزاء أخرى من الجسم، وكان ذلك نتيجة لاستعادة نشاط الخلايا التائية. وأظهرت أن الأسبرين يمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم من خلال تقليل إنتاج TXA2 وتحرير الخلايا التائية من التثبيط.
الأسبرين يمنع انتشار بعض أنواع السرطان في الجسم... فهل يُصبح جزءًا من علاج السرطان؟
أشار الباحثون إلى أنه على الرغم من التقدُّم في علاجات السرطان، فإن العديد من المرضى المصابين بالسرطان في مراحل المبكرة الذين يتلقون علاجات قد تكون شافية، مثل الاستئصال الجراحي للورم، يعانون من عودة المرض لاحقًا بسبب انتقال خلايا سرطانية صغيرة بقيت في حالة خمول إلى أجزاء أخرى من الجسم.
وأوضحوا أن معظم العلاجات المناعية يتم تطويرها لعلاج السرطان المُنتشر في الجسم، ولكن عند بداية انتشاره، تكون هناك فرصة علاجية فريدة تكون فيها الخلايا السرطانية أكثر عرضة لهجمات الجهاز المناعي. وأشاروا إلى أن الأسبرين أو غيره من الأدوية التي تستهدف هذا المسار العلاجي، قد تكون خيارًا أقل تكلفة مقارنةً بالعلاجات التي تعتمد على الأجسام المضادة. وعلى الرغم من أن النتائج واعدة، شدّدوا على ضرورة عدم تناول الأسبرين لهذا الغرض دون استشارة طبية.



