تعتبر فترة ما بعد الولادة مرحلة حسّاسة في حياة المرأة، فهي تُؤثِّر على صحتها النفسية، وغالبًا ما تكون هذه الفترة مصحوبة بتغيُّرات كبيرة في مستويات الهرمونات، بالإضافة إلى الضغوطات النفسية المختلفة التي تُواجهها الأم. وقد أظهرت دراسة حديثة أن استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية بعد الولادة قد يكون مرتبطًا بزيادة احتمال الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في الممارسات الطبية المتَّبعة بعد الإنجاب، والتي قد تؤثّر على ملايين الأمهات. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة جاما الطبية (JAMA Network Open) في 31 آذار/مارس 2025.
ارتفاع معدَّل استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية بعد الولادة
ازداد معدل استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية (Hormonal Contraceptives) خلال فترة ما بعد الولادة خلال العقدَين الماضيَين، وأصبحت المدة الزمنية الفاصلة بين الولادة وبدء استخدام هذه الوسائل أقصر من قبل. وتُشير التقديرات الحالية إلى أن حوالي 40% من الأمهات في الدنمارك يبدأنَ باستخدام وسائل منع الحمل الهرمونية خلال السنة الأولى بعد الولادة.
وقد أظهرت العديد من الدراسات السابقة أن استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية قد تزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب، ومع ذلك، فإن تأثير استخدامها على خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة لم يكن واضحًا. ومن الجدير بالذكر أن فترة ما بعد الولادة مرتبطة بالفعل بزيادة احتمال الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الكآبة والاكتئاب والذهان.
ما تأثير استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية بعد الولادة على صحة الأم النفسية؟
استخدَم الباحثون بيانات من السجلات الوطنية الدنماركية للنساء اللاتي أنجبنَ لأول مرة بين 1 كانون الثاني/يناير 1997 و31 كانون الأول/ديسمبر 2022. وبعد استبعاد النساء اللاتي كنَّ يُعانينَ من الاكتئاب في السنتَين السابقتَين للولادة، شملت الدراسة 610038 امرأة، استخدمت حوالي 41% منهنَّ إحدى وسائل منع الحمل الهرمونية خلال السنة الأولى بعد الولادة.
وصُنفت وسائل منع الحمل الهرمونية إلى 4 فئات:
- حبوب منع الحمل المركّبة (COCs)، التي استخدمتها 24% من الأمهات.
- وسائل منع الحمل المركّبة غير الفموية (CNOCs)، التي استخدمتها 1% من الأمهات.
- حبوب منع الحمل التي تحتوي على البروجستيرون فقط (POPs)، التي استخدمتها 11% من الأمهات.
- وسائل منع الحمل غير الفموية التي تحتوي على البروجستيرون فقط (PNCOs)، التي استخدمتها 5% من الأمهات.
أظهرت النتائج أنه خلال السنة الأولى من الولادة، أصيبت 1.5% من النساء بالاكتئاب، بمعدل 21 حالة من بين 1000 امرأة سنويًا ممّن استخدمنَ وسائل منع الحمل الهرمونية، مقابل 14 حالة من بين 1000 امرأة سنويًا لم يستخدمنَ هذه الوسائل. وكان احتمال الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة 54% لدى الأمهات اللاتي استخدمنَ وسائل منع الحمل الهرمونية بعد الولادة و36% لدى الأمهات اللاتي لم يستخدمنها.
استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية بعد الولادة يزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب
وجَد الباحثون أن النساء اللاتي استخدمنَ وسائل منع الحمل الهرمونية خلال السنة الأولى بعد الولادة كنَّ أكثر عرضة بنسبة 50% للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة مقارنةً باللاتي لم يَستخدمنَ هذه الوسائل خلال هذه الفترة. وظهر هذا الخطر بشكل متزايد لدى النساء اللاتي استخدمنَ جميع أنواع وسائل منع الحمل الهرمونية باستثناء حبوب منع الحمل التي تحتوي على البروجستيرون فقط، فقد أظهرت انخفاضًا أوليًا في احتمال الإصابة بالاكتئاب، تبعه ارتفاع ملحوظ بعد مرور 8 أشهر على الولادة.
وبعد مراعاة بعض العوامل المؤثرة مثل نمط الحياة والعوامل الاجتماعية والتدخين، كانت النتائج كالآتي:
- زاد احتمال الإصابة بالاكتئاب بنسبة 72% لدى النساء اللاتي استخدمنَ حبوب منع الحمل المركّبة.
- زاد هذا الاحتمال بنسبة 97% لدى النساء اللاتي استخدمنَ وسائل منع الحمل المركّبة غير الفموية، مثل الحلَقات المهبلية واللاصقات الهرمونية.
- زاد هذا الاحتمال بنسبة 40% لدى النساء اللاتي استخدمنَ وسائل منع الحمل غير الفموية التي تحتوي على البروجستيرون فقط، مثل زرعات منع الحمل، وحُقَن منع الحمل الطويلة المفعول، واللوالب الرحمية الهرمونية التي تُطلق هرمون الليفونورجستريل (LNG-IUS).
وأظهرت النتائج أن النساء اللاتي ليس لديهنَّ تاريخ سابق من المرض النفسي كنَّ أكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بعد استخدامهنَّ وسائل منع الحمل الهرمونية مقارنةً بالنساء اللاتي لديهنَّ تاريخ سابق من المرض النفسي. كما كان توقيت استخدام هذه الوسائل مرتبطًا بزيادة معدلات الإصابة بالاكتئاب، فقد ارتفعت هذه المعدلات لدى النساء اللاتي استخدمنها خلال الأسابيع السبعة الأولى من الولادة مقارنةً بالنساء اللاتي لم يستخدمنها.
