يمثّل مرض ألزهايمر (Alzheimer’s disease) تحديًا صحيًا عالميًا متزايدًا، فهو يُصيب أكثر من 55 مليون شخص حول العالم، بحسب تقديرات الباحثين، وغالبًا ما يتم تشخيص المرض في مراحل متأخرة بسبب تعقيد الأعراض وصعوبة الوصول إلى أدوات تشخيص دقيقة وسهلة. لكن دراسة جديدة تقدم اليوم بارقة أمل في شكل اختبار جديد للدم للكشف عن ألزهايمر. وهذا الاختبار ليس فقط لتحديد وجود المرض، بل لقياس مدى تقدّمه أيضًا، مما قد يفتح آفاقًا جديدة في العلاج والتدخل المبكر.
اختبار جديد للدم للكشف عن ألزهايمر.. ما الجديد؟
طوّر باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس (WashU Medicine) الأمريكية اختبارا جديدا للدم للكشف عن ألزهايمر يمكنه تشخيص المرض وتحديد مرحلته بدقة. نُشرت نتائج هذا الإنجاز في مجلة Nature Medicine بتاريخ 31 مارس 2025، ويعتمد هذا الاختبار على اكتشاف بروتين يُعرف باسم MTBR-tau243، وهو أحد المؤشرات البيولوجية الجديدة (Biomarker) المرتبطة بالتشابكات الليفية في الدماغ (Tau Tangles)، والتي تعتبر أحد السِّمات الأساسية لمرض ألزهايمر.
ما هو بروتين MTBR-tau243؟
البروتين MTBR-tau243 هو جزء مكسور من بروتين أكبر يشكّل تشابكات تاو الليفية العصبية (Neurofibrillary Tangles - NFTs). هذه التشابكات مسؤولة عن التدهور المَعرفي الذي يعاني منه مرضى ألزهايمر. وبحسب الدكتور راندال جي. باتيمان (Randall J. Bateman, MD)، الأستاذ في طب الأعصاب بجامعة واشنطن، فإن هذا البروتين يشير بدقة إلى كمية التشابكات الموجودة في الدماغ.
وأوضح باتيمان أن "اختبار الدم هذا يقيس كمية MTBR-tau243 في الدم، وهو مؤشر على عدد تشابكات تاو في الدماغ". وهذا يمثل قفزة نوعية مقارنة بالاختبارات السابقة التي كانت تعتمد على فحوصات مكلفة ومعقدة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو تحليل السائل الدماغي الشوكي (Cerebrospinal Fluid Analysis).
نتائج الدراسة وأهميتها
في هذه الدراسة، شمل الباحثون مشارِكين في ثلاث مراحل مختلفة من مرض ألزهايمر: المرحلة التي تسبق ظهور الأعراض (Presymptomatic)، والمرحلة المبكرة التي تشمل ضعف الإدراك البسيط (Mild Cognitive Impairment)، والمرحلة المتقدمة التي تترافق مع الخرَف (Dementia).
وقد وُجد أن مستويات بروتين MTBR-tau243 في الدم تعكس بدقة تصل إلى 92% كمية التشابكات في الدماغ، وهي النسبة الأعلى دقة بين اختبارات الدم الحالية. كما لوحظ أن مستويات هذا المؤشر البيولوجي كانت أعلى بنحو 200 مرة في المرحلة المتقدمة من المرض مقارنةً بالمرحلة الأولى، مما يُبرز دقته في تحديد مرحلة مرض ألزهايمر.
الدكتورة كانتا هوريه (Kanta Horie, PhD)، المؤلفة المشاركة في الدراسة، أشارت إلى أن هذا المؤشر يعكس التغيرات التي تحدث في بروتين تاو خلال المراحل السريرية من ألزهايمر، مما يجعله أداة مثالية لتحديد ما إذا كانت الأعراض الإدراكية ناتجة عن مرض ألزهايمر فعلاً.
أهمية المؤشرات البيولوجية في ألزهايمر
تُعد المؤشرات البيولوجية (Biomarkers) أدوات مهمة لفهم مرض ألزهايمر بشكل أدقّ، فهي تشبه أجهزة يستعملها الأطباء مثل السماعة أو الأشعة التي تُستخدم لقياس وظائف الجسم المختلفة. ومع وجود مؤشرات بيولوجية دقيقة مثل تحليل بروتين MTBR-tau243، أصبح بالإمكان تشخيص ألزهايمر بدقّة، وتتبع تطوره، وربما الوصول إلى علاجات جديدة مخصصة حسب كل حالة.
يمثّل اختبار جديد للدم للكشف عن ألزهايمر حلقة إضافية في سلسلة الأبحاث التي تعتمد على قياس بروتينات مثل أميلويد-بيتا (Amyloid-Beta) وتاو (Tau)، والتي طالما كانت مرتبطة بالمرض ولكن لم تكن فعالة بما يكفي لتحديد المرحلة أو الاستجابة للعلاج.
خطوة نحو الطب الدقيق
الدكتورة هوريه أكّدت أن هذا المؤشر الجديد قد يكون جزءًا من لوحة متكاملة من المؤشرات التي تساعد في تطوير الطب الدقيق (Precision Medicine) لعلاج مرض ألزهايمر، لكي يتم تخصيص العلاج بناءً على خصائص كل مريض ومرحلته المرَضية.
وهذا الرأي يشاركه الدكتور راندال باتيمان، الذي أضاف: "هذا الاختبار قد يُستخدم لتأكيد كمية التشابكات في الدماغ وتحديد مرحلة المرض بدقة، مما يسمح بتسريع الوصول للعلاجات، وتحسين خيارات التشخيص".
رأي الخبراء: تطور منطقي في التشخيص
الدكتورة مانيشا باروليكار (Manisha Parulekar, MD)، مديرة قسم طب الشيخوخة في مركز هاكنساك الطبي، وصَفت هذا الاختبار بأنه "تطور منطقي في مسار التشخيص والعلاج". وأشارت إلى أن الطرق التقليدية مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET Scan) وتحليل السائل الدماغي باهظة الثمن، وتتطلب تدخّلات معقّدة، في حين أن اختبار دم جديد للكشف عن الزهايمر يعد أقل تكلفة وأسهل تطبيقًا.
كما شدّدت على أهمية التشخيص المبكر لمرض ألزهايمر، إذ إن العلاجات المتوفرة حاليًا تكون أكثر فاعلية في المراحل الأولى. وأضافت أن هذا النوع من الفحوصات يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في مستقبل المرضى. رغم النتائج الواعدة، فقد دعا الخبراء إلى ضرورة تكرار الدراسة على نطاق أوسع، يشمل فئات مختلفة عرقيًا وجغرافيًا وعمريًا، لضمان دقة النتائج وموثوقيتها. كما طالبوا بوضع بروتوكولات موحَّدة لطرق جمع الدم وتحليله لضمان التكرار والاستمرارية في مختلف المختبرات حول العالم.
نهايةً، بفضل اختبار جديد للدم للكشف عن ألزهايمر قد نكون على أعتاب حقبة جديدة في التعامل مع هذا المرض المعقد، فإمكانية تحديد المرض في مراحله الأولى، ومتابعة تطوره باستخدام عينة دم بسيطة، قد يغيّر الطريقة التي نشخّص بها ألزهايمر ونقدم العلاج. وإذا أثبت هذا الفحص فعاليته في التجارب الموسعة، فسيصبح أداة لا غنى عنها في كل عيادة، تمنح الأمل لملايين المرضى حول العالم. ولا شك أن الحديث عن اختبار جديد للدم للكشف عن ألزهايمر سيزداد في السنوات القادمة مع تطور الأبحاث والتقنيات.